بقلم- خالد البرماوي- الكذب حرام.. وفي رمضان بيكون "حرام قوى" لهذا قررت أن أواجه عائلتي بعزيمة لا تلين وإصرار لا يتزعزع، وأقول لهم الحقيقة التي سيكون عليها الأحوال الداخلية، خاصة المالية منها في هذا الشهر الكريم، وجهزت نفسي واستعديت بالحجج والبراهين لكي احنن قلوبهم علي حالتي المعدمة ليتفهموا أن الكثير من الأمور التي تعودوا عليها ستتغير بسبب الزنقة المالية الهباب التي انأ فيها، والتي لا تقل بأي حال من الأحوال عن "زنقة الستات” في الإسكندرية أو "زنقة الحكومة" مع أصحاب المعاشات مطلع كل شهر.
لا اعرف من أين جاءتني هذه القناعة المفرطة من أن عائلتي سوف تتفهم موقفي العصيب..بل إنني توهمت أنهم سيبادرون بإظهار التعاطف والتفهم قبل أن اسأله، ولو بتقليل بعض بنود الياميش والحلويات وطلبات رمضان التي لا تنتهي، ويا حبذا لو تم إلغاء بند العزومات والمكسرات، بل إنني توهمت أن الرقة و"الحنية" ستعرف طريقها إلى قلوبهم ويعفوني من مصاريف العيد ودخول المدارس القادمة بعد رمضان خبط لزق..مين عارف !!.
ما جعلني مطمئن لحد بعيد أننا مازلنا نحتفظ ببشرتنا السمراء الغامقة جدا والتي كلفتني مصاريف خرافية قسمت ظهري "وظهر اللي خلفوني" لمدة ثلاث أيام كاملة قضيناها في مصيف "بورتو جمصة السياحي" كما يحب أولادي أن يسموه.. لكي لا نكون اقل من عائلة أخت المدام أو أستاذ حسين جارنا المقيم بشكل شبه دائم في "الساخن الشمالي" ورغم أنني طبقت " اوكازيون" عائلي أسبوع المصيف ليكون ثلاثة أيام.. ولكن جميع الأهل والأصدقاء والجيران كانوا يعرفون انه أسبوع.. والدليل هذا "السواد" الذي َغرقت فيه وجوهنا وكأننا صيفنا لمدة شهر نتيجة تعمد المدام أن اجلس أنا والأولاد تحت الشمس من صباحية ربنا حتى أخر لقطة في النهار.
الحق يقال أنني لم أكن انوي أن الغي كل بنود الإنفاق والتبذير الخاصة بشهر رمضان فانا أيضا أحب هذا الجو من البغددة التي نراه شهر واحد يتيم في العام، ولكن هذا المرة لن يكون الوضع مماثل للسنوات الماضية نتيجة للازمة المالية والإضرابات والاعتصامات التي لا تبقي ولم تذر.. ورغم عدم معرفتي بالأسباب الخفية وراء الأزمة المالية.. إلا إنني اعرف جيداً أنها جعلت الأسعار في سابع سما ومرتباتنا خسف بها لسابع ارض.
المهم ما خاب من استشار وبعد مناقشات ومداولات اتفقت أنا وزملائي في العمل على أن نقلد السياسية "ال..." التي فعلتها بنا إدارة المؤسسة، والتي يبدو أنها أخذ حرفياً من الإعلان "الظريف أبو دم خفيف" الذي كان استمر عام بأكمله ينادي بضغط وزنق وتفطيس الموظفين وتقليل المرتبات وزيادة ساعات العمل لصالح الشركات علشان الأزمة المالية.
"ومجبر أخاك لا بطل" قمت بالتخطيط لتطبيق تلك السياسية اللعينة مع أسرتي رغم أنني لست من هواة السادية وتعذيب الآخرين، ومرغماً قمت بإلغاء بعض البنود وتقليل البعض الآخر، فبند المكسرات مثلا ملغي تماماً رغم انه لم يكن موجود أصلاً.. وكنا نكتفي بالفول السوداني والزبيب ولكني رأيت إن السكر سوف يحل المشكلة، وقمر الدين وأخواته ألا يكفي كيلو مشمش مفعص!!. والبلح للحظ فهو موجود وطازج ولا داعي لشراء الأنواع الغريبة من عينة تريكة وجدو هيفاء وهبي ونانسي وحسب ما سمعته من احد الشيوخ الفضائيات فإن هذه الأنواع حراااااام ولا يقبل صيام من افطر عليهن !! .. وهكذا أخذت أقلص واضغط وازنق شوية منن هنا وشوية من هنا حتى اقتربت بالكاد من تظبيط الميزانية.
وتشجعت واستجمعت قوتي ودعوت المدام والأولاد لجلسة عائلية حميمة.. ولكسب ودهم قررت ان أبادر بحركة جدعنه بشراء 2 حاجة ساقعة من ماركة الصاروخ لكي يتم تقسيمها علينا، وهكذا انتهزت فرصة استمتاعهم بالمشروبات المثلجة وأخذت أعيد وأزيد في إن الاتحاد قوة .. واننا في مرحلة عنق الزجاجة ويجب أن نشد الحزام و.. وان "الزنقات" المالية لا تصيب الحكومات والبورصات فقط.. " ابسلوتلي" ولكن أيضا الأفراد خاصة من هم مثلي.
لا اعرف لماذا ارتسمت على وجوههم هذه الابتسامة المغلفة بالكثير من المكر رغم أن مقدمة كلامي كانت "حزيني" ع الأخر وتدعو للشفقة وليس فقط التعاطف،..ما جعلني اقلق فعلاً تلك الحركات المربية السريعة التي تصدر من العيال وهم في طريقهم من والي المطبخ وبعد كل حركة كنت أراهم يتبادلون أشياء لم اكتشف حقيقتها ويضعونها في أفواههم وتصدر أصوات شبيه بـ..
عند هذه اللحظة لم أستطع أن أتمالك نفسي وفقدت تركيزي تماما..ً وقررت أن أقوم بحركة غدر واقبض على أصغرهم "ميدو" الشيطان الصغير، وبالفعل طرت في حركة بهلوانية كرتونية ندمت عليها كثيرا بعد ذلك ولكني تمكنت من القبض عليه ومسكته من"بوءه" مباشراً قبل ان يمضغ قطعة ملظلظة من قمر الدين وبعض حبات تشبه"البندق أو اللوز أو.. لا اعرف تحديداً المهم حاجة من عائلة المكسرات والغالية كمان.
كان وقع الصدمة علي مفجعاً ولكنهم لم ينتظروا أن أفيق من صدمتي "أولاد التيييييت" فاخبروني بنبرة مستفزة حاولوا فيها ان يقلدوا أسلوبي الذي كنت أتحدث به قبل دقائق . وقالوا لي أنهم قرروا بزعامة أمهم إن يساعدوني هذا العام رأفة بحالي فقاموا بتقليد "الحكومة" عندما تتعرض لازمات تماماً مثلما قلت لهم ..فماذا فعلوا ؟ اختاروا أن يقلدوا الحكومة ولكن في السلف والدين، فعقدوا اتفاقية مع أحد محلات السوبر ماركت" الشهيرة التي أعلنت هذا العام عن تقسيط "ياميش" وجميع احتياجات رمضان.. والحساب يجمع" بعد عمر طويل إن شاء الله، وهكذا قاموا بمساعدتي ووفروا عليا " الشيل والحط".. حسب قولهم.
و"جيتوا تصيدوا يصيدك" وشكراً لحكومة سلفني شكراً على الواجب الجامد ده في أول رمضان.
الخميس أغسطس 12, 2010 3:45 pm