"كارثة حقيقية" بكل ما تحمل الكلمة من معان أصابت الشعب الأمريكي في مقتل، وهي لم تتوقف عند الطائرات العملاقة التي تتخبط في المباني الشاهقة على غرار أحد مشاهد "حرب النجوم"، أو عند هيبة أمريكا التي اهتزت بقوة أمام شاشات التلفزة، بل تعدتها إلي أمور أدهى من ذلك وأمرّ.
فالطائرات الأمريكية التي أصابت أهدافها ببراعة، أصابت أيضًا الشعب الأمريكي بكارثة نفسية حقيقية قد لا يفيق منها إلا بعد وقت طويل؛ حيث يتخوف الأطباء النفسيون من الآثار المترتبة على الجزع الذي أصاب الناس في تقرير لهم على الصفحة الصحية لوكالة أنباء الـ A.B.C. بالأمس..
PTSD : أعراض وعلاج
حيث ذكروا أن كثيرًا من الأمريكيين أصبحوا عرضة للإصابة بما يسمى PTSD أو (Post traumatic stress disorder)ء وهو اضطراب نفسي يصاب به الإنسان بعد التعرض لأي صدمة أو مأساة مروعة، وقد تعرف العلماء رسميًا على الـ PTSD بعد حرب فيتنام.. واتضحت هذه الظاهرة النفسية بجلاء الآن بعد دراسات مستفيضة طيلة السنوات الماضية.
وتظهر الأعراض على الشخص المصاب بهذا الاضطراب إذا تعرض لأي شيء يذكره بالحادث، مثل: مشاهد معينة أو أصوات، وآلام جسدية مشابهة، وروائح اتصلت بالحادث مثل رائحة إسمنت المباني المدمرة.. أو حتى من خلال حاسة التذوق لطعم ما تواجد أثناء المأساة.
وقد صرح د. ليبرسون Liberzon مدير برنامج الـ PTSD بجامعة متشيجسن الأمريكية أن من 20 إلى 35% ممن تعرضوا إلى الكارثة عرضة للإصابة بهذا الاضطراب قياسًا على أبحاث سابقة، إلا أن العلماء لم يتفقوا بوضوح على "من" سيصاب تحديدًا به؟ ففي حين يرى البعض أن خطر الإصابة قد يطول مشاهدي الأحداث على شاشات التلفزة، يرى آخرون أن مشاهدي التلفزيون لم يعرضوا مباشرة إلى مشاعر الخوف على حياتهم أو حياة أحبائهم وبالتالي سيكون التأثير عليهم مؤقتًا.
يشخص اضطراب الـ PTSD بعد مرور شهر من المأساة على الأقل؛ وذلك بعد نضوج عدة أعراض فسيولوجية ونفسية معينة… ومن الضروري أن يعرف كل من تعرض للحادثة أن شعوره ببعض الأعراض في الشهر الأول، مثل: الأرق، والغضب، والحزن العميق، واضطراب الذاكرة، والشعور بالمراقبة تعد ردود أفعال طبيعية لا تثير القلق وتسمى علميًا بـ Acute Stress Disorder ASD أو الاضطراب النفسي الحاد، ويبدأ بالاختفاء بعد الشهر الأول.
ويضع الصليب الأحمر بعض النصائح على صفحات الإنترنت لمحاولة التغلب على هذه الحالة المؤقتة، منها:
عدم التعرض إلى تغطية إعلامية زائدة.
التحدث إلى الغير عن المشاعر الخفية.
عدم التحرج من طلب المساعدة.
الاستماع إلى نصائح الآخرين دون معاندة.
قضاء وقت أطول مع العائلة والأصدقاء.
العودة إلى روتين اليوم الطبيعي.
تذكر أوقات عصيبة مرت ولم تستمر للأبد.
المشاركة في مساعدة الآخرين.
أما إذا استمرت هذه الأعراض وتصاعدت حدتها لوقت طويل، فعلى الأرجح أن هذا الشخص قد أصيب بـ PTSD ، أو اضطراب ما بعد الصدمة الذي سنتعرض إلى أعراضه الأساسية:
تذكر الحادثة باستمرار وبشكل مزعج؛ حيث يتراءى للمريض صورًا ومشاهد تصل إلى حد التخيلات والهلوسة برؤية أحداث وسماع أصوات لا تتواجد واقعيًا.. قد يكون شكل هذه الهلوسة التعرض إلى لمحات من مشاهد المأساة تطارد المريض Flashback.
ضغط نفسي هائل عند التعرض لأي شيء يذكره بالحادثة.
تهيج فسيولوجي: كسرعة نبضات القلب، وتقلصات عضلية، وقصر التنفس والعرق الشديد.
اللامبالاة والانسحاب النفسي: بحيث يمتنع هذا الشخص عن أي أماكن أو نشاطات تذكره بالحادثة، ورفضه للتعامل مع الآخرين.
الترقب من المستقبل: وذلك بشعور عميق بالفشل مستقبليًا في القيام بدوره في الحياة كأب أو زوج أو موظف، والخوف أيضًا من فقدان مشاعر هامة كمشاعر الحب.
يزيد من احتمالات الإصابة من المرض بعض العوامل المحيطة مثل وجود المرض في تاريخ العائلة. وحدوث كوارث سابقة في حياته كهجوم أو اغتصاب أو مشاكل عائلية منذ الصغر... وغيرها، ولا شك أن أكثر الناس عرضة لهذا المرض النفسي هم من فقدوا أحباء لهم في هذه المأساة.
يعالج مريض الـ PTSD بالأدوية المساعدة للتخلص من مشاكل النوم وعدم التركيز ولاستعادة القدرة الوظيفية للجسم.. كما يعالج نفسيًا؛ لمحاولة إعادة الثقة بالنفس والسيطرة على مجريات الأمور، الاستهتار بعلاج هذا المرض في بدايته قد يؤدي إلى اكتئاب مزمن، وقلق مزمن أو فوبيا لسنوات طويلة تصل إلى عشرات السنين.
نفسية طفل الحروب
الخوف على نفسية الأطفال الأمريكيين تفوق بمراحل الخوف على الناضجين، وتنهال نصائح الأطباء المتخصصين على شبكات الإنترنت للآباء حتى تمر الحادثة بسلام دون أن تترك آثارًا مدمرة تستمر مع الطفل، حيث نشرت وكالة الـA. B.C. في صفحتها بالأمس إجابة 50 سؤالاً قد تراود الطفل الذي رأى المأساة.. وأكد الأطباء على نصائح أساسية لا غنى عنها في التعامل مع الأمر كان من أهمها:
التزام الصدق التام في إعطاء المعلومات التي تناسب سن ونضج وذكاء الطفل.
متابعة الأخبار التي تصل إلى الطفل من المدرسة أو التلفزيون ومناقشتها أولاً بأول.
إشعاره بالأمان وباستعادة الحياة الطبيعية.
تجنب الحديث معه أثناء شعور الآباء بالإحباط أو الحزن الشديد.
الحرص على تواجد الطفل بين أقرانه.
الحديث الدائم المستمر مع المراهقين.
عدم الانزعاج من العودة المؤقتة إلى ممارسات طفولية قديمة مثل: التبول اللاإرادي، ومص الأصابع، والخوف من النوم وحيدًا.
والواضح أن الخوف والهلع على الأطفال مبالغ فيه، فما مأساة أطفال أمريكا بجوار مأساة أطفال فلسطين، وما مأساة أطفال أمريكا بجانب ما سيراه طفل أفغانستان.
وإذا كانت هذه الاضطرابات النفسية ستصيب الأمريكيين نتيجة ما حدث، فما بال الفلسطينيين وهم يشاهدون مشاهد لا تقل ضراوة عما حدث في أمريكا كل يوم منذ عام على الأقل، والأيام القادمة حبلى ينكأ جراح الشعب الأفغاني التي لم تلتئم بعد من جراء الغزو السوفيتي، ومن بعده من جراء الحرب الأهلية، وفي الأيام القادمة ستضيف أمريكا إليه ويلات على ويلات بالعدوان عليه بلا دليل على ضلوعه في تفجيرات أمريكا.