تحويل ملايين الكتب القديمة إلى محتوى رقمي يسهل لمتصفح الإنترنت الوصول إليه بكبسة زر؛ مشروع طموح بدأته شركة جوجل منذ 5 سنوات تحت مسمى المكتبة الرقمية، وعلى الرغم من ضخامة المشروع فإنه يواجه معارضة لسببين: الأول فرضية احتكار جوجل لهذا المجال؛ حيث تقوم بعرض جزء من الكتاب فقط مجانا، وللحصول على النسخة الكاملة يدفع المستخدم مقابلا ماديا، والثاني اعتراض الناشرين والكتاب على ما يقولون إنه انتهاك لحقوق ملكيتهم الفكرية، وقد ظهر حلف "معارضة" جديد يناصر السبب الأول، أقطابه مايكروسوفت وياهو وأمازون.
إلى جانب تلك الشركات العملاقة انضمت مجموعات لا تهدف الربح ومكتبات ومنظمات مدافعة عن حق الملكية الفكرية، واتفقوا على تقديم طعن قانوني أمام القضاء الأمريكي يشكك في جدوى التسوية التي تمت عام 2008 بالتراضي بين جوجل ومؤلفين ودور نشر تسمح للأولى بتحويل ملايين الكتب إلى محتوى رقمي وبيعها، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية السبت 22/8/2009.
وبموجب التسوية ستتيح جوجل أجزاء فقط من هذه الكتب للجمهور مجانا من خلال خدمة محرك البحث الخاص بها، وتبيع الاشتراكات المتعلقة بقاعدة بياناتها بالكامل إلى المكتبات الجامعية وغيرها –وستعطى كل مكتبة في الولايات المتحدة بوابة مجانية وحيدة للوصول إلى الكنز المكتشف– وتبيع إمكانية الوصول المتعلقة بالنسخ الكاملة للأعمال الفردية التي تتم استضافتها على كمبيوتراتها، وستحصل جوجل على نسبة 37% من الأموال التي تجنيها من هذه المبيعات، ويعود 63% إلى مالكي حق المؤلف.
ويقود تحالف "المعارضة" المحامي غاري ريباك الذي أقنع وزارة العدل الأمريكية بفتح تحقيق حول ممارسات مايكروسوفت الاحتكارية في تسعينيات القرن الماضي، وتدرس الوزارة حاليا إذا ما كانت تلك التسوية تتعارض مع حرية المنافسة.
وقال ريباك لصحيفة "نيويورك تايمز" إن الاتفاق بالتراضي المبرم مع جوجل "يتضمن جوانب خطرة تعيق المنافسة، وبدأنا ندرك ذلك".
ورأت "نيويورك تايمز" أن التحالف سيطعن بجوهر الاتفاق أمام وزارة العدل مستندا إلى أنه يعيق المنافسة مما يعد شكلا من الاحتكار، بينما ينوي التحالف رفع الملف إلى محكمة نيويورك الفدرالية التي حددت جلسة تمهيدية في السابع من أكتوبر 2009.
من جانبه، قال بول برانتلي الذي يرأس "إنترنت أركايف"، وهو بوابة على الإنترنت غير هادفة للربح تضم أنواعا عدة من المحفوظات لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن التحالف سيستقبل أعضاء جددا، واستشهد بانضمام "سبيشيل لايبريريز أسوسييشن" و "نيويورك لايبريريز أسوسييشن" على صعيد المكتبات، فضلا عن جمعية الصحفيين والكتاب "أمريكان سوسايتي أوف جورناليست أند أوثرز".
وأردف قائلا: "لقد أبدينا قلقنا من التسوية منذ البداية"، موضحا أنها "ستعطي جوجل احتكارا ضمنيا لتسويق كل الأعمال التي تشملها حقوق الملكية في القرن العشرين"، وأضاف أن المعارضين للاتفاق بالتراضي المبرم مع جوجل لا يريدون تعطيله بل إدخال تعديلات عليه.
في المقابل أعربت جوجل عن حماستها لإبرام الاتفاق، وقال أحد مؤسسيها سيرجي برين: إن "الفائزين الفعليين هم القراء"، موضحا أن "الغنى الهائل الذي تضمه كتب العالم على صعيد المعرفة سيكون بمتناولهم الآن".
مخاوف النشر الرقمي
واعتبرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن تسوية جوجل بدت وكأنها تحمل شيئا ما لجميع الأطراف تقريبا؛ فهي تعطي الناشرين والمؤلفين فرصة لجني الأموال من كتب في طي النسيان منذ فترة طويلة، وتوفر للمكتبات العامة والجامعية طريقة للقفز إلى العصر الرقمي، وتعطي القراء إمكانية الوصول إلى الملايين من الكتب التي كانت ستبقى بخلاف ذلك بعيدة المنال.
لكن الكاتب ريتشارد واترز رأى في مقال نشرته الصحيفة في 20/8/2009 أن تلك الصفقة أثارت المخاوف من ظهور صناعة مركزية على نحو أكثر مع تحول صناعة النشر إلى الشكل الرقمي، الأمر الذي ينهي الضوابط والحدود الموضوعة طوال عقود من الزمن.
ونقلت الصحيفة عن جيمس جريميلمان، الأستاذ المشارك في كلية الحقوق في نيويورك، وهو من النقاد البارزين للتسوية القول: "أبلى عالم الكتب بلاء حسنا فعليا بعيدا عن المركزية.. وإعطاء جوجل المزيد من السلطة على كتب قديمة انتهت نسخها المطبوعة من السوق من شأنه أن يهيئ الساحة لهيمنتها على سوق الكتب الرقمية الأوسع نطاقا.. إن السيطرة على الماضي ستترجم إلى سيطرة على مستقبل الكتب".
وقد أخذت وزارة العدل الأمريكية تلك المخاوف على محمل الجد بما يكفي لإطلاق تحقيق في تداعيات التسوية على مسألة التنافسية، ومن المقرر أن تقدم وجهات نظرها إلى المحكمة التي تنظر في القضية في منتصف شهر سبتمبر المقبل، وقبل ذلك طلبت المفوضية الأوروبية عقد جلستها الاستماعية الخاصة بها حول القضية للنظر في تأثير التسوية في صناعة الكتب وحقوق المؤلف في أوروبا.
"كتب يتيمة"
"فايننشال تايمز" سلطت الضوء على ما اعتبرته مخاوف من إعطاء المزيد من السلطة لجوجل من خلال التسوية، التي تترك لمجموعة حصرية صغيرة من الناشرين والمؤلفين سلطة غير مناسبة على تحديد أسعار الكتب الرقمية، الأمر الذي يضر بالقراء.
تتعلق المجموعة الأولى من المخاوف بالحق الحصري الذي يمكن أن تحصل عليه جوجل لتوزيع الكتب الرقمية التي لا يمكن تتبع مالكي حقوق الملكية الخاصة بها، وهذه الكتب التي يطلق عليها "كتب يتيمة" يمكن أن تشكل نسبة كبيرة من جميع المجلدات التي انتهت نسخها المطبوعة من السوق، ويقدر بول كورانت، رئيس مكتبة جامعة ميتشيجان، أنها يمكن أن تتراوح بين مليون إلى مليونين ونصف من مجموعته البالغ عددها ثمانية ملايين مجلد.
لكن حتى لو بقيت جوجل الموزع الوحيد للكتب اليتيمة، فهل لأن المنافع تفوق مخاوف مكافحة الاحتكار؟ يجيب كورانت قائلا: "مما لا شك فيه أن جوجل ستكون في مركز القوة فيما يتعلق بالكتب التي انتهت نسخها المطبوعة من السوق".
هناك جدل آخر يحيط بمسجل حقوق الكتاب المنوي تأسيسه، حيث يقول كورانت عاكسا بذلك قلقا واسع النطاق: "يمكن أن يكون الاشتراك في المكتبة مكلفا للغاية"، ويضيف جاري ريباك، وهو محام في وادي السيلكون ومتخصص في قضايا مكافحة الاحتكار، قائلا: "إنه يمكن أن تكون للسجل حوافز لمنح رخصة بشأن حقوق كتبه لجوجل فقط من أجل إبقاء الأسعار مرتفعة، بدلا من تشجيع الموزعين المنافسين".
منافع فورية
وفي المقابل ظهر عدد من الأصوات المدافعة عن مشروع المكتبة الرقمية، أبرزهم ديفيد بالتو، وهو محام في وزارة العدل الأمريكية سابقا، إذ يقول إن أية مخاوف لمكافحة الاحتكار تصبح مقزمة مقابل المنافع التي ستجلبها التسوية، ويضيف لـ"فايننشال تايمز": "ما تفعله جوجل أمر مذهل، لا يجوز أن تعاقب الأشخاص الذين يخاطرون بملايين الدولارات لإنجاز أمور مثل هذه، ومهاجمتها نابعة من أنه لم يسبق إنجازها من قبل".
ويعترف حتى نقاد التسوية بأنها ستجلب منافع فورية ومهمة، بجعل الملايين من الكتب متاحة على نطاق واسع في الولايات المتحدة للمرة الأولى، ومع ذلك فإن تأثيرها المحتمل طويل الأجل على شكل سوق الكتب الرقمية ضمن أن تجتذب التسوية التدقيق التنظيمي بغض النظر عن نقاط جذبها الفورية.
ومن المرجح أن تكتشف المحكمة -التي من المتوقع أن توافق على تسوية القضية- طرقا لتمديد حماية "الكتب اليتيمة" لتشمل موزعين آخرين بخلاف جوجل، حسبما يقول راندال بيكر، أستاذ القانون في جامعة شيكاغو، على الرغم من أن الآراء القانونية منقسمة بشأن إذا ما كان ذلك ممكنا، وتقول جوجل ذاتها إنها تدعم فكرة التشريع لحل المشكلة. ومن المتوقع أن تصدر وزارة العدل حكمها في أقل من شهر.
الأحد مايو 23, 2010 6:20 pm