جلس .. ينظر لكل الموجودين في المكان .. الكل يضحك .. يتكلم .. تعلو الأصوات والضحكات .. إنه حفل .. عيد ميلاد أخته الصغيرة .. تصغره باعوامٍ قليلة ..
وهو .. يتبادل الحديث مع الموجودين أحيانًا .. وأحيانًا أخرى يصمت ليتأمل الوجوه ..
هو .. هذا الشاب العاقل المتزن .. راقٍ في أسلوبه وتصرفاته .. غير سطحي ولا تافه .. يزن الأمور بعقله مستعينًا بقلبه .. لا يخاف قول الحق .. ولا ينساق وراء الأراء السطحية والأفكار الهدامة ..
متفاءل .. محب للحياة .. ذكي وطموح .. وناجح في عمله .. ويحبه الجميع ..
كم هو إنسانٌ رائع !!
لكنه لم يعرف للعشق طريق .. ولم يطرق الحب بابه ..
لم ينساق وراء المغريات التي تحيطه من كل جانب .. لم ينجرف وراء الشكل دون المضمون ..
نظر حوله لبرهة .. كم من الجميلات الموجودات بالحفل .. لكنه يشعر أنهن فارغات العقول .. لا يهتمن إلا بما هو سطحي ..
لكن ليس هذا هو السبب ..
فلم تجذبه أيًا منهن ..
آهٍِ ياقلبي !! ألم تجد للآن مَنْ ترضيك وتسكنك !!
مَنْ تعشقها وتمتلكك لتصير أسيرًا لها !!
يارب .. كم تعبت من البحث والانتظار !!
وأغمض عينيه ..
لا يعلم كم مضى عليه من الوقت .. سارحًا مع خياله .. يتخيل أميرة أحلامه .. ما أجملها .. ما أروعها ..
يا الله .. متى ألقاها ؟؟ ألن يكون لي موعد معها سوى في خيالي !! يا الله .. أنت القادر الرحمن الرحيم .. لن ترضى بعذابي .. وأنا وحيدًا .. لا أجد مَنْ تؤنس قلبي وأسعد معها ..
انتبه فجأة للأصوات المحيطة به .. فأدرك أنه كان مسافرًا عبر خياله .. وآن الآوان ليعود للواقع الذي لا مفر منه ..
فتح عينيه ..
لكنه لم يكن متأكدًا .. إن كان قد فتحها فعلاً .. أم أنه مازال مسافرًا عبر خياله يبحث عنها ..
إنه يراها أمامه .. أحقيقة هي أم خيال !!
ساعدني يا الله .. هل استجبت لدعواتي ؟؟ أم أنني مازلت أسيرًا لخيالي ؟!
هل هي حلم أم حقيقة ؟؟
أمَنْ أراها أمامي أميرة حقيقية ؟؟ أم أنها بطلة أحلامي صورها لي خيالي كالعادة ؟؟
فأفاق على أصوات المحيطين .. الجميع يرحب بها .. الكل يعرفها .. إلا هو ..
تُرى مَنْ تلك الفراشة التي تحلق في الأجواء مبتسمة في وجه الجميع !!
رائعة الجمال والرقة .. جميلة في كل شيء .. ملابسها .. ابتسامتها .. خجلها الذي يتبع كل نظرة إعجاب بها تراها في أعين المحيطين ..
مَنْ هذه الرقيقة التي خطفتني !! لا أستطيع أن أبعد نظري عنها ..
ما هذا الذي أفعله؟!
أنا لا أعرفها ..
لماذا أفعل ذلك؟!
لماذا لا أرى سواها ؟؟
يجب أن أستجمع قواي وإلا سيلاحظ الجميع ما أنا فيه ..
وفجأة !!
تلاقت الأعين ..
يا الله !! ما أجملها !! ما أروعها !! أشعر وكأن العالم يدور بي .. وكأني أنا وهي فقط في عالم أخر .. وحدنا .. وتمنيت لو أظل هكذا .. غارقًا في بحر عينيها .. إلى الأبد ..
لم يكن لقاء الأعين سوى لحظات .. انتهت عندما إحمر وجهها خجلاً ..
ارتبكت .. وجرت مسرعة إلى الخارج .. نحو الحديقة .. وحدها ..
آآه .. ماذا فعلت أنا !! وما الذي يجب عليّ فعله الآن ؟!
هل ألحق بها ؟!
لكن .. ماذا إذا غضِبت مني ؟؟
وحتى إن لم تفعل .. ماذا أقول لها ؟؟!!
أعجز حتى عن التفكير .. يالله .. ساعدني .. ما الذي حلّ بي !!
لماذا كل هذه الحيرة ؟؟ لما أنا هكذا ؟؟ لماذا أهتم كل هذا الاهتمام ؟؟!!
يا الله .. ماذا فعلت بي تلك الفراشة !!
يجب أن أهدأ وأفكر .. حتى أُحسِن التصرف ..
وسرعان ما اختفت علامات الحيرة من على وجهه .. يبدو أنه قد وصل لقرار ..
لكن .. تُرى .. ما هو ؟؟
انتظروني .. مازال للحديث بقية
ولكم تحياتي