أحمد شمس الدين - مع اقتراب المعركة الانتخابية الجديدة التي يصفها المراقبون بأنها علامة فارقة في تاريخ مجلس الشعب المصري حيث يتحدد على اساسها المعركة الرئاسية ومستقبل مصر خلال الخمس سنوات المقبلة بدأت الكتل السياسية تشمر عن سواعدها السياسية سواء بالمطالبة بضمان انتخابات حرة ونزيهة من أجل افراز مجلس قوي قادر على التشريع ودفع عجلة التنمية او تكرار سلبيات انتخابات الشورى والتي شهدت انتهاكات جسيمة لم تحدث من قبل.
ومما لاشك فيه ان الدورة الاخيرة التي لفظت انفاسها مؤخرا شهدت تجاوزات عدة كانت حاضرة بقوة في مضابط الجلسات بسبب اعداد الاصوات المعارضة المنتمية الى الاخوان المسلمين حيث كانت تمثل أكبر معارضة نيابية في تاريخ مجلس الشعب لذا حدثت العديد من التصادمات بينهم وبين نواب الحزب الوطني.
وكانت النتيجة خلافات ضخمة وصلت الى درجة الاهانة والتجريح والتلفظ بألفاظ لا تليق بهيبة مجلس الشعب.
لذا طالب المراقبون والمعنيون بالشأن الانتخابي والبرلماني بضرورة افراز نواب على قدر المسئولية يجيدون لغة الحوار ويدركون قيمة مناصبهم كأعضاء داخل مجلس له احترامه وقدسيته وليس نواب يديرون شأن حارة أو بلدة صغيرة.
وبات السؤال الاكثر اهمية، هل تختفي الخلافات والمشاجرات والالفاظ القبيحة من مضابط مجلس الشعب المقبل؟
المتابع للشأن البرلماني يرصد انه مع انتهاء الدورة البرلمانية الخامسة والأخيرة في الفصل التشريعي التاسع التي استغرقت (359) ساعة و(45) دقيقة أسدل الستار على 5 سنوات حافلة من عمر مجلس الشعب حيث نُوقش خلال هذه الدورة 39 استجوابًا و11 طلب مناقشة، و1220 اقتراحًا برغبة، و35 مشروع قانون، و105 مشروعات قوانين مالية وحسابات ختامية للموازنات، و94 اقتراحًا بمشروع قانون، و37 اتفاقية وقرارًا جمهوريًّا كما شهدت الدورة المنقضية عدم حسم عدد من القوانين الهامة ابرزها مشروع قانون مباشرة الحقوق السياسية، والنقابات المهنية، والأحزاب السياسية، والجمعيات الأهلية، وقانون حماية المصريين بالخارج، وقانون المرافعات المدنية والمحاكم العسكرية، وقانون المحكمة الدستورية"، وقانون "امتياز حقوق العمال".
وشهدت الدورة البرلمانية العديد من التجاوزات الأخلاقية والقمعية التي ستظل وصمة عار في تاريخ قبة مجلس الشعب ذات المكانة العالية، فعلى سبيل المثال لا الحصر: استخدام وزير المالية أحط الألفاظ عندما سُئِل في لجنة الخطة والموازنة عن الموقف من عزبة الهجانة قائلاً "نعوض الذين اشتروا في هذه العمارات المخالفة بعد أن نزيلها ثم نلاحق الملاك ونجري ورا اللي خالف وأطلع"دين أم اللي خلفوه".
والخلافات الشهيرة مثل مشكلة النائب نشأت القصاص مع نواب الإخوان المسلمين في لجنة الدفاع والأمن القومي بالمجلس بسبب قضية الجدار العازل علي الحدود المصرية مع غزة فقد بدأت المشاجرة بمحاولة النائب حازم حمادي عضو الحزب الوطني التشويش على نواب الإخوان أثناء عرض آرائهم.
وانضم كل من بدر القاضي وجمالات رافع ونشأت القصاص لمؤازرة زميلهم، وعندما حاول الشيخ سيد عسكر عضو كتلة الإخوان الاستشهاد بأحد الأحاديث النبوية قامت الدنيا تقعد واتهمه النائب نشأت القصاص "بتحريف الأحاديث".
إلا أن عسكر طالبه "بعدم الحديث بهذا الشكل" قائلاً "إنتوا عندكم نتانياهو إسرائيل" وتصور القصاص أنه يصفه بالإسرائيلي، فما كان منه إلا أن رد عليه "أنا أشرف منك يا خاين يا ابن الكلب يا بتاع حماس" وواصل وقال لهم "دي وساخة وقلة أدب".
كذلك مشكلة سعد عبود مع نشأت القصاص نائب الحزب الوطني عندما سب عبود حينما اتهم النظام المصري بالصمت علي اختراق طيران إسرائيلي للمجال الجوي المصري قائلا " القصاص اعتذر عما بدر منه لمجلس الشعب وليس لسعد عبود وهو ما قبله الدكتور فتحي سرور وأغلق الأمر عند هذا الحد رغم أنني طالبت رئيس المجلس بالحصول علي حقي بعد تعرضي للإهانة.
كذلك الخناقة الشهيرة بين نائب الحزب الوطني أحمد شوبير والنائب الإخواني يسري بيومي في لجنة القوي العاملة بمجلس الشعب والتي كان سببها أزمة عمال شركة طنطا للكتان.
فقد دافع شوبير عن المستثمر السعودي مالك الشركة الذي يتهمه العمال بإهدار حقوقهم قائلا "المستثمر كتر خيره ولا هو وجع قلب؟ وهنا تدخل النائب الإخواني يسري بيومي ليتهم شوبير بأن "له هدف مشبوه" فكان رد شوبير على النائب الإخواني بالقول "أنا مشبوه يا وسخ..أنا وطني وأشرف منك وحياة أمك مش هسيبك".
والأزمة الشهيرة بين نائب الحزب الوطني عمر هريدي والنائب المستقل علاء عبد المنعم ففي إحدي المناقشات كان النائب علاء عبد المنعم يوجه انتقادات سياسية للحكومة إلا أن النائب عمر هريدي ثار لكرامة الحكومة وقال في كلمته إن عبد المنعم "يتمايل" يمينا ويسارا مثل "امرأة لعوب" وهو ما اعتبره عبد المنعم كلاماً لا يصدر إلا عن "عاهرة".
كذلك كانت "خناقة الجزمة" أشهر الخناقات علي الإطلاق بين النائب أحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطني والنائب المستقل طلعت السادات عندما اتهم عز طلعت السادات بمحاولة ضربه بالجزمة خلال خلافات في وجهات النظر بينهما في مجلس الشعب.
الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام أكد أنه منذ بدء تطبيق النظام الفردي فإن مجلس الشعب قد عرف نواب الكيف ونواب القروض ونواب النقوط ونواب التأشيرات ونواب سميحة معتبرا أن الالفاظ النابية والخناقات هو التطور الطبيعي للأمر.
وضرب ربيع مثالا بمجلس الشعب عام 1987 والذي كان به أكثر من 95 نائبا من نواب المعارضة يمثلون أحزاب العمل والوفد والأحرار لافتا إلى أن الحوار الذي كان سائدا في هذا المجلس هو الحوار "بمعناه السياسي" أما الآن فإن النظام الفردي قد أفرز هذا النوع من الحوار المتدني والمنحل علي حد قوله.
اما النائب مصطفى بكري فيعتبر أن ما يحدث في مجلس الشعب هو جزء من انهيار منظومة القيم في المجتمع المصري وعدم القدرة على إدارة حوار جاد وموضوعي.
لكن بكري رفض الربط بين استخدام هذه المصطلحات وبين الثقافة السياسية للنواب معتبرا أن هذا الأمر يعبر عن "سلوك النائب" على حد تعبيره.
وأضاف "هذه اللغة المتدنية لا يجوز لنائب في مجلس الشعب أن يستخدمها أبدا مطالبا بضرورة وجود قرارات حاسمة تصدر من لجنة القيم ضد النواب الذين يستخدمون الألفاظ النابية أثناء الحوار مضيفا هذه اللغة إهانة للبرلمان وإهانة للشارع المصري الذي اختار هؤلاء النواب مخالفة صريحة لكل القيم والأخلاقيات التي تحكم المجتمع".