أصبحنا نسمع المزيد والمزيد عن حالات الانتحار، سواء في مجتمعنا العربي أو في المجتمعات الغربية. وغالبا ما تصل إلينا أخبار انتحار المشاهير خاصة- مثل زوجة المستشار الألماني الأسبق هلموت كول التي انتحرت مؤخرا بعد معاناة طويلة مع مرض جلدي، أو الاشتباه في انتحار الممثلة المصرية سعاد حسني في لندن منذ أسبوعين تقريبا لأسباب غير واضحة حتى الآن.
أعداد الأشخاص المقبلين على الانتحار على مستوى العالم مذهل، حيث يقدم 10-20 مليون شخص على الانتحار سنويا يفلح منهم مليون في محاولاتهم. وقد زادت نسب محاولات الانتحار الناجحة في الخمسة وأربعين عاما الماضية بنسبة 60% سواء في الدول المتقدمة أو النامية. وفي خلال تلك الـ 45 سنة تغيرت أعلى النسب من كبار السن إلى مراحل عمرية أقل سنّا حتى أصبح الانتحار من أهم خمسة أسباب للوفاة بين رجال ونساء المراحل العمرية الأقل.
الانتحار على المستوى العالمي
أعلى نسب للانتحار على مستوى العالم توجد بدول الاتحاد السوفييتي السابق؛ حيث توجد أعلاها على الإطلاق بين رجال ليثيوانيا بنسبة 73.7 لكل 100,000 رجل ثم روسيا الفيدرالية بنسبة 66.4 لكل 100,000 رجل، ثم بلاّروسيا بنسبة 63.4 لكل 100,000 رجل. تلي دول الاتحاد السوفييتي السابق في أعلى نسب للانتحار بين الرجال دول المجر وسريلانكا وفنلندا ومولدوفا وسويسرا ولوكسمبورج. أما بين النساء فأعلى نسب للانتحار توجد في الصين بنسبة 17.9 لكل 100,000 امرأة تليها سريلانكا تليها المجر فليثيوانيا فروسيا الفيدرالية فلاتفيا فاليابان. أما ما بين الدول العربية التي يوجد لها إحصائيات رسمية في هذا الشأن فتوجد أعلى النسب في البحرين بنسبة 4.9/100000 رجل ثم الكويت 1.4/100000 رجل ثم سوريا بنسبة 0.2 /100000 رجل ومصر 0.1/ 100000 رجل وصفر في الأردن. أما بين النساء فأعلى النسب توجد بالكويت (2.4/100000 امرأة) ثم البحرين (0.5/100000 امرأة) أما في مصر وسوريا والأردن فالنسبة صفر. وكما يتضح من الخريطة فإن المنطقة العربية بالإضافة إلى دول جنوب القارة الأمريكية هي الأقل بالنسبة لنسب الانتحار العالمية.
شخصية المنتحر
تتكون الشخصية التي تقدم على الانتحار من تركيبة من الصفات تجعلها قابلة لتنفيذ هذا الجرم الفظيع. تتميز تلك الشخصية بالإحساس باليأس والإحساس بأن آلامه النفسية أقوى من قدرته على الاحتمال والاستمرار.
هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تضيف إلى خطورة إقدام شخص ما على قتل نفسه. أحد هذه العوامل هو الاضطرابات النفسية. فحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية فإن ما بين 6-15% من مرضى الاضطرابات النفسية –خاصّة الاكتئاب- يقدمون على الانتحار، بالإضافة إلى 7-15% من مدمني الكحوليات و4-10% من مصابي انفصام الشخصية schizophrenics.
كما أظهرت الدراسات الحديثة التي تمت على الشباب المنتحرين أن 20-50% منهم كانت لديهم اضطرابات في الشخصية متمثلة في الاضطراب الاجتماعي للشخصية antisocial personality disorder والشخصية المتكلّفة والشخصية النرجسية وبعض الصفات الشخصية مثل الاندفاع والعنف. هذا بالإضافة إلى زيادة نسب الانتحار بين المصابين باضطراب الذعر والمصابين باضطرابات التغذية مثل فقدان الشهية العصبي anorexia nervosa والشره المرضي .bulimia
هناك أيضا زيادة في خطورة الإقدام على الانتحار بين المصابين بالأمراض المزمنة مثل مرضى الصرع والسرطان والإيدز. وكشفت الإحصائيات العالمية أيضا أن هناك بعض العوامل الاجتماعية التي لها علاقة مهمة بالانتحار، فينتشر الانتحار بين الرجال أكثر منه بين النساء في جميع دول العالم ما عدا الصين؛ حيث تزيد نسبة انتحار النساء عنها في الرجال. أما بالنسبة لعامل السن فينتشر الانتحار عادة بين كبار السن (فوق سن 65) والشباب بين (15-30 عام) إلا أن الدراسات الحديثة أظهرت أيضا زيادة في نسب انتحار الرجال متوسطي العمر.
المطلقون والأرامل والعزاب أيضا أكثر عرضة من المتزوجين للإقدام على الانتحار؛ حيث يبدو من الدراسات أن الزواج يحافظ على الرجال خاصة من خطورة الانتحار وعلى النساء بدرجة أقل.
معلومة قد تبدو طريفة وغريبة في نفس الوقت هي أن هناك بعض المهنيين أكثر عرضة لخطر الانتحار مثل الأطباء البشريين والجراحين البيطريين والصيادلة وأطباء الأسنان والفلاحين! ويقول تقرير منظمة الصحة العالمية: إنه لا يوجد أية أسباب واضحة لهذه الظاهرة العجيبة إلا أن سهولة الحصول على مواد قاتلة وضغوط العمل والانعزال الاجتماعي والمشاكل المادية قد يكون لها علاقة ما بهذه الظاهرة.
آخر العوامل التي قد تزيد خطورة الانتحار لدى بعض الأفراد حسب ورودها في تقرير منظمة الصحة هي البطالة والغربة بسبب الهجرة وسهولة التوصّل لطريقة لقتل النفس وكثرة الضغوط النفسية.
تقرير آخر يشير إلى أن 30% من حالات الانتحار عامة للشواذ جنسيا، كما أن إدمان المخدرات قد يشوّش الإدراك مؤديا أيضا إلى الإقدام على الانتحار.
الإسلام وظاهرة الانتحار
أما الإسلام، فإنه يحرم الإقدام على قتل النفس. يقول الله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) –الأنعام 151. كما يقول تعالى: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) –النساء 29. فيعتبر ديننا الحنيف أن حياة الإنسان أمانة لديه، ليس له الحق في إنهائها بل عليه المحافظة عليها حتى يستردها صاحبها وهو الله عز وجل. ويحث الإسلام المسلم على الصبر ويخبرنا بجزائه: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) –الزمر 10. كما يخبرنا أن جميع ما يصيب المسلم خير له حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كلّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن: إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له". كما يقول صلى الله عليه وسلم: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا حزن ولا أذى ولا غمّ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر بها من خطاياه". وهكذا ينجلي دور الإيمان بالله والإيمان بالقدر والتجلد بالصبر على المصائب في المحافظة على استقرار المسلم النفسي، وبالتالي حسن أدائه في مواجهة ابتلاءات الحياة المستمرة، والتي ليس من شأنها إلا رفع الدرجات في حالة صحة المواجهة.