طرْق كل الأبواب سعيًا وراء إنقاص الوزن بات أمرًا واسع الانتشار؛ فنحن نشهد في الآونة الأخيرة تسارعًا غير مسبوق في ابتداع الطرق والوسائل التي تلعب على أوتار حلم الرشاقة؛ فبدءا من الأدوية والأعشاب، ومرورًا بالأجهزة الرياضية، وانتهاء بمراكز التخسيس.. كلها أشكال متعددة للاتجار بأماني الناس، وتحويل حلم الرشاقة إلى فخ ينصب ليبتز أموال المعانيين من السمنة بطرق متعددة.
ففي السنوات القليلة الماضية زادت نسبة المعانين من السمنة إلى نحو سدس سكان العالم، وانعكس ذلك في المقابل على زيادة معدلات إنفاق الدول على إنقاص الوزن أو علاجًا للأمراض التي يتسبب فيها الوزن الزائد.
فقد رصدت دراسة نشرت في مجلة الشئون الصحية الأمريكية إلى أنه في الفترة ما بين عام 1987 و2002 تضخمت الإنفاقات الخاصة على المشاكل الصحية ذات الصلة بالسمنة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 36.5 مليار دولار، كما أشارت مجلة "أستراليا" الطبية إلى أن الأستراليات ينفقن ما يصل إلى 414 مليون دولار أسترالي سنويًّا لإنقاص أوزانهن. ومن جهة أخرى تصل تكلفة مقاومة البريطانيات لمشكلة السمنة إلى 3 مليارات دولار سنويًّا.
أما فيما يتعلق بالعالم العربي؛ فبالرغم من تجاوز الإنفاق على برامج إنقاص الوزن المليارات فإنه لا توجد إحصاءات رسمية عن ذلك.
بيزنس التخسيس.. أدوية وعيادات
وسبل هذا الإنفاق الضخم تجد مساراتها بأشكال متعددة، يأتي في مقدمتها أدوية إنقاص الوزن وحرق الدهون التي تمتلئ بها أرفف الصيدليات سواء محلية كانت أم أجنبية، ويختلف إحصاء أعدادها في عالمنا العربي؛ حيث إن كل شركة أدوية تقدم مادة فعالة واحدة بأسماء تجارية مختلفة، وتركز نشاطها في منطقة بعينها، وبالتالي لا يوجد رقم رسمي معلن عن أعدادها ومكوناتها.
ويتراوح سعر أدوية إنقاص الوزن في مصر على سبيل المثال بين 20 و350 جنيهًا مصريًّا (4 إلى 70 دولارًا أمريكيًّا) للعلبة الواحدة، خاصة الأدوية الأجنبية، ورغم ارتفاع أسعارها على المستهلك المصري فإنها تجد إقبالا شديدًا، خاصة بعد انتشار إعلاناتها على الفضائيات العربية. وأغرب ما يمكن ذكره أنه لا يوجد تصنيف في وزارة الصحة المصرية لأدوية "علاج السمنة" كما الحال مع باقي أنواع العلاج.
وتعلق د. زينب عبيد رئيسة الإدارة المركزية للصيادلة بوزارة الصحة في مصر قائلة: "لا يوجد لدينا دواء واحد مسجل بوزارة الصحة لعلاج السمنة أنتجته شركة من 73 شركة دواء تعمل في مصر. بل إن الأدوية المستخدمة والتي يصرفها الأطباء تكون مصنعة لأمراض أخرى غير السمنة مثل أدوية الغدد والكبد، ويدخل ضمن أعراضها الإيجابية أو السلبية فقدان الشهية، أو الإسهال الشديد أو حرق الدهون؛ مما يجعل الأطباء يستخدمونها لعلاج السمنة".
وتضيف "أما في حالة الأدوية الأجنبية فأغلبها تكون مهربة وغير مسجلة بوزارة الصحة؛ مما يزيد من خطورتها؛ حيث لا تعلم الجهات الرسمية شيئا عنها، ولم تخضع للرقابة الطبية"، وأشارت د.زينب إلى أن أغلب هذه الأدوية يعلن عنها في القنوات الفضائية؛ حيث يمنع القانون المصري الإعلان عن أي دواء إلا في النشرات والمجلات الطبية والعلمية".
ويأتي تاليا للأدوية في الوسائل التي يهدر فيها الكثيرون أموالهم سعيا وراء حلم الرشاقة الواهي مراكز التخسيس، التي يصل عددها في مصر آلافا، ويتراوح فيها سعر جلسة التخسيس الواحدة في المناطق الشعبية من 5 إلى 20 جنيها مصريا حسب عدد الأجهزة التي يستخدمها الراغب في التخسيس، بينما يتعدى سعر جلسة التخسيس في الأندية الرياضية بالمناطق الراقية 300 جنيه مصري شاملة ممارسة الرياضة وحمام البخار، واستخدام الأجهزة الرياضية.
وعن مدى مساعدة تلك الجلسات في التخلص من الوزن تقول عايدة سرحان -39 عاما، ربة منزل-: "اعتدت كل فترة على مزاولة الرياضة من خلال أحد مراكز التخسيس؛ حيث أشعر بتحسن ونقص في الوزن بعد هذه الجلسات، خاصة إذا التزمت بريجيم طعام، إلا أنه سرعان ما أعود لوزني الحقيقي بعد فترة"، وتضيف عايدة: "حاولت كثيرا تطبيق هذه التمرينات بمفردي، لكن سرعان ما أتعب وأفقد الرغبة في المتابعة؛ لذا أفضل ممارستها من خلال مراكز التخسيس".
ومن جهة أخرى ولتسهيل تحقيق حلم التخسيس -أو دعنا نقل: كابوسه- منزليًّا دون اللجوء لأي مراكز رياضية امتلأت الأسواق بعدد غير محدود من الأدوات الرياضية وأجهزة ذبذبات إذابة الدهون؛ مما شجع البعض على تقليد الماركات العالمية باستخدام مواد أقل تكلفة. فأصبح لكل جهاز نوعان: الأول أصلي مرتفع السعر يقابله جهاز مقلد يقوم بنفس العمل وبسعر أقل دون ضابط لجودته. ويتراوح سعر الأجهزة الرياضية بين 150 و8000 جنيه حسب صناعتها وبلد المنشأ والدور الذي تلعبه.
ويقول محمد العطار -رئيس شعبة الأدوات الرياضية بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية- كان للإقبال الشديد على شراء الأدوات الرياضية من قبل الباحثين عن الرشاقة والمراكز الرياضية السبب في دخول عشرات التجار إلى هذا الشكل من الاتجار دون أن تكون تلك الأجهزة مسجلة بجهة رسمية مسئولة عنها، وذلك على الرغم من أن هذه الأجهزة تحتاج لمتخصصين ومتدربين لتعريف مريض السمنة كيفية التعامل معها دون أن تلحق أضرار به.
وتماشيًا مع الموجة تحولت أغلب عيادات الباطنة والسكري والعلاج الطبيعي إلى عيادات علاج السمنة مستفيدة من عدد المصابين بالسمنة الذي يزداد يوما بعد يوما، ويقوم العلاج في هذه العيادات على اتباع نظام غذائي مع ممارسة الرياضة، واستخدام الأجهزة الرياضية التي تتوافر في العيادة، ويصل سعر الكشف بهذه العيادات 80 جنيها مصريًّا للزيارة الواحد.
كما تقوم بعض العيادات بالعلاج بالإبر الصينية التي يصل سعر الجلسة فيها 30 جنيا، وعمليات تدبيس المعدة أو بالون المعدة وشفط الدهون... إلخ. وهي عمليات ذات تكلفة باهظة؛ حيث تبلغ في الولايات المتحدة الأمريكية ما بين 25 و35 ألف دولار في الحالات العادية، وفي مصر تصل تكلفة هذه العملية من 7 آلاف إلى 10 آلاف جنيه مصري للعملية، خاصة عملية تدبيس المعدة التي لاقت إقبالا وانتشرت بشكل كبير.
شباك الأعشاب تحيط بالوزن
وهو نوع جديد من الشباك التي تلف حول راغبي الرشاقة وإنقاص الوزن، بدأ ينتشر بشدة في السوق المصرية بل والعربية في السنوات الأخيرة؛ حتى علي الأرصفة وفي محلات العطارة، فقامت بعض محلات العطارة بتوفير طبيب أو متخصص في تركيب أنواع كثيرة من الأعشاب لعلاج السمنة حسب الحالة الصحية ودرجة السمنة للمريض، ويتراوح سعر هذه التركيبة بين 35 – 250 جنيها، وتعتمد هذه الأعشاب بصفة عامة علي الملينات، مثل نبات رجل الأسد والمرمرية وقليل من السلامكة، بالإضافة إلى مواد أخرى لتحلية الطعم، يقول محمد عبد السلام -52 سنة موظف-: "منذ سنوات طويلة وأنا أحاول إنقاص وزني والتخلص من ترهلات البطن، وقد فضلت تناول الأعشاب الطبيبة؛ نظرا لأنها أقل تكلفة؛ حيث يصل سعرها إلى أقل من 10 جنيهات، خاصة التي تباع على الأرصفة".
ومن الأعشاب إلى شكل آخر من التجارة؛ ألا وهو ريجيم الطعام وهو أكثر أنواع الريجيم تطبيقا في مصر، ويقبل عليه جميع الباحثين عن الرشاقة وإنقاص الوزن، ويتمثل في تطبيق نظام غذائي خاص؛ مما يرهق كاهل الأسرة بأعباء فوق طاقتها، مثل الريجيم عالي البروتين، وريجيم النوع الواحد، والنظم عالية الدهون، وريجيم شديد الانخفاض في السعرات وغيرها من الحميات.
وقد استفادت شركات الأغذية من الحالمين بالرشاقة؛ فبدأت في تصنيع أنواع كثيرة من الأطعمة والمشروبات تناسب الباحثين عن الرشاقة مثل العصائر والمياه الغازية منخفضة السعرات وسكر "الدايت"، ومخبوزات من قمح البر، وزيوت نباتية منخفضة الكولسترول.
وتحكي أمينة محمد عبد الله –موظفة، 43 عاما- حول لهثها وراء حلم الرشاقة الذي بدأ منذ أكثر من 5 سنوات بعد إصابتها بمرض في ساقيها استدعى ضرورة إنقاص وزنها حوالي 30 كيلوجراما، فبدأت طريق الوهم، على حد قولها؛ حيث تقول أمينة: "جربت كل وسائل التخسيس وإنقاص الوزن، وكلها كانت تأتي بنتيجة جيدة سرعان ما تنتهي؛ فأسترد الوزن بعد شهرين". وتؤكد أمينة أن وهم الرشاقة وإنقاص الوزن يأخذ من دخلها الشهري أكثر من 40%، ويتضاعف في حالة الرغبة السريعة في إنقاص الوزن مستخدمة أكثر من وسيلة.
ويستمر هذا الاستنزاف الخفي رهن التنفيذ.. فالطلب يتزايد، والطالب يدفع دون تفكير، والعارض يراوغ ويجدد ويبتكر في أساليب الاستنزاف ليقدم الوهم في وصفة صغيرة تحل كل المشاكل في طرقعة إصبع.
الأحد مايو 23, 2010 6:03 pm
